من جرائم فرنسا
ليس هناك يوم منذ دنّست
فرنسا أراضي الجزائر وتونس والمغرب خلا من جريمة من جرائمها التي لا تُعدّ ولا
تحصى. وإن جرائم فرنسا - لنذالتها وقذارتها- ليست كأحد من ا لجرائم، لأن جرائم
فرنسا ليست جرائم مادية فقط؛ بل هي جرائم حضارية كانت تستهدف بها اقتلاع أبناء هذه
المنطقة من جذورهم، وتشويه كيانهم الحضاري، ليصبحوا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء،
وماتزال فرنسا الآن ساعية لتحقيق هدفها عن طريق هؤلاء الذين يمكن تسميتهم
"جزائريّو المال"، أي الذين لا يهمهم من الجزائر إلا ما يسرقونه من
أموالها، وتهريب تلك الأموال إلى فرنسا بصفة خاصة..
إن من أبشع وأقذر ما
ارتكبته فرنسا في بلدان المغرب الإسلامي من جرائم ثلاث جرائم في سنة 1930.
فأما الجريمة الأولى فهي
إقامة ما عرف باسم "المؤتمر الافخارسيتي" في تونس، وهو مؤتمر مسيحي
عقد بمناسبة مرور خمسين سنة على احتلال تونس، وقد تميز هذا المؤتمر بحضور رئيس
الجمهورية الفرنسية "اللائكية"، ولما اعترض بعض النواب اليساريين
الفرنسيين على إشراف الرئيس الفرنسي على المؤتمر، لأن القانون يمنع إشراف الدولة
على الأنشطة الدينية ردّ عليهم وزير الخارجية في البرلمان بقوله: "إن فرنسا
إذا كانت لادينية في داخل حدودها فإنها دينية في الخارج(1)". ومما يؤكد هذا
البعد الديني ما صرح به رئيس الأساقفة في تونس وهو "إن هذا المؤتمر - وهذه
الاحتفالات- مظهر للصليبية الجديدة"، وأنه "حملة صليبية على تونس"،
وقد كلف هذا المؤتمر والاحتفالات أموالا طائلة كان أكثرها من أموال الشعب التونسي،
وقد سبق هذا المؤتمر الصليبي وهذه الاحتفالات إقامة تمثال - في مدخل الجزء الإسلامي من
مدينة تونس آنذاك-؛ للكاردينال الصليبي المجرم شارل لافيجري، مؤسس الجمعية
الصليبية المجرمة المسماة "جمعي الآباء البيض"، التي سُمّي أعضاؤها "جيش لافيجري
الأبيض".
وأما الجريمة الفرنسية
الثانية في هذه السنة ( (1930) في بلدان المغرب الإسلامي فهي تلك الاحتفالات
الصليبية الضخمة التي أقامتها فرنسا في الجزائر بمناسبة مرور مائة سنة على احتلال
الجزائر، وقد قال أكابر المجرمين الفرنسيين - من رجال الدين، ورجال السياسة - إننا
لا نحتفل بمرور قرن على احتلال الجزائر؛ ولكننا نحتفل بتشييع جنازة الإسلام من هذه
الأرض، التي لانرتاب في أنها أعيدت إلى المسيحية، ولكن الله - عز وجل - ثم عزيمة
الجزائريين ممثلة في أولئك الخيرة من علمائها سّفهوا كلام أولئك المجرمين
الفرنسيين، ونسفوا مخططهم الشيطاني الصليبي، فأسسوا تلك الجمعية المباركة، "جمعية العلماء
المسلمين الجزائريين"، التي أحيت الإسلام، وصححت ما حُرّف منه، وطُهّر ما
ألحق به من أرجاس.. وكشفت الذين ركنوا إلى الكفار، واتخذوهم أولياء، وخانوا الله
ورسوله ووطنهم وهم يعلمون.
وأما الجريمة الثالثة فقد
ارتكبتها فرنسا في المغرب الأقصى، حيث أصدرت في مثل هذا من سنة 1930 ما سمّته
"الظهير البربري (❊)"، وهو
قانون يخجل الشيطان الرجيم أن يفكر فيه مجرد التفكير، وهذا "الظهير" يمنع الإخوة
الأمازيغ في المغرب من التحاكم في قضاياهم المختلفة إلى الشريعة الإسلامية، وأن
يتحاكموا إلى العرف البربري، ولو أحل حراما وحرّما حلالا. والحقيقة هي أن سياسة
فرنسا في المغرب لم تقتصر على منع المغاربة الأمازيغ من التحاكم في شؤونهم إلى
الشريعة الإسلامية؛ بل شملت التعليم أيضا، أي منع المغاربة الأمازيغ من تعلم
الإسلام واللغة العربية، ومن ذلك ما كتبه أحد أكابر المجرمين الفرنسيين في المغرب
وهو "موريس لوجلاي" في مقال عنوانه: "المدرسة الفرنسية لدى
البربر"، حيث قال: "يجب أن نحذف تعليم الديانة الإسلامية واللغة العربية
في مدارس البربر، وأن تكتب اللهجات البربرية بحروف لاتينية.. يجب أن نعلم البربر
كل شيء ماعدا الإسلام ( (2)".. وأما المستشرق
الفرنسي "جود فروي-دومومبين" - وكل المستشرقين - إلا قليلا - هم عيون
الاستعمار، وآذانه، وعقوله -، فقد قال في كتابه "عمل فرنسا في المغرب فيما
يخص التعليم": "إن المدرسة الفرنسية البربرية هي مدرسة فرنسية بتعليمها،
وحياتها، بربرية بتلاميذها وبيئتها ويجب أن تقوم اللغة الفرنسية لا البربرية مقام
اللغة العربية كلغة مشتركة، وكلغة للمدنية (3)"..
لقد أفشل المغاربة -
والأمازيغ منهم قبل العرب - هذا المخطط الفرنسي الشيطاني، وحوّلوا المحنة إلى
منحة، ورفضوا أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وأبوا أن يتحاكموا إلى
الطاغوت.. ومما واجه به المغاربة هذا المخطط الفرنسي الإبليسي ما سموه "دعاء
اللطيف"، حيث كانوا يدعون به وهو: "اللهم يا لطيف، نسألك اللطف فيما جرت
به المقادير، وألا تفرق بيننا وبين اخواننا البرابر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق