يحث حول منهج علم الاقتصاد - مدونة تجميعية لكل ما هو مفيد
يحث حول منهج علم الاقتصاد

يحث حول منهج علم الاقتصاد

شارك المقالة

منهج علم الاقتصاد

يسعى علماء الاقتصاد إلى تأكيد الصفة العلميةو استنباط قوانينه الخاصة من خلال نظريات مختلفة و هم يستخدمون المنهج العملي الاستنباطي(التجريدي، النظري) والمنهج الاستقرائي (التجريبي، الواقعي). يؤكد الاقتصاديون الصفة العلمية للاقتصاد إذ يرون أن لهذا العلم قوانينه الخاصة، ومن ثم فإنهم يسعون دائماً للكشف عن هذه القوانين وصوغ النظريات الاقتصادية المختلفة. ومن الثابت أنهم يتبعون في هذا السبيل المناهج العلمية المعروفة وهي: المنهج الاستنباطي(التجريدي، النظري) والمنهج الاستقرائي (التجريبي، الواقعي).والمنهج الاستقرائي عكس المنهج الاستنباطي تماماً، لذلك يوصف الأول، أي الاستقرائي «بالاستدلال الصاعد»، ويوصف الثاني «بالاستدلال النازل».

أساليب التحليل الاقتصادي

يمكن تقسيم الاقتصاد أو تصنيفه إلى أنواع عديدة أهمها:
يشرح علم الاقتصاد كيفية عمل النظم الاقتصادية، وما الذي يربط أطراف هذه النظم من علاقات ضمن إطار المجتمع. من خلال تطبيق أساليب التحليل الاقتصادي على المجالات التي تتعلق بالأفراد (بما فيهم الرسميون) الذين يقومون باختياراتهم ضمن إطارالمجتمع، كمثال على ذلك، الجريمة، التعليم، الأسر، الصحة، القانون، السياسة، الدين، مؤسسات المجتمع المدني، وصولاً إلى الحرب.

الخصائص العامة لاقتصاد السوق

لأن مفهوم اقتصاد السوق هو السائد حالياً لدى معظم الأنظمة الاقتصادية، لا بد من دراسة تفسير هذه الظاهرة بجوانبها المختلفة وتحديد خصائصها الجوهرية، لبيان كيف أن تطورها التاريخي أدى بالفعل إلى وجود اقتصاد عالمي يعتمد أساساً على مبادئ اقتصاد السوق. هذه المبادئ لم تستقر عملياً إلاّ بعد أن تناولتها عدة نظريات تتمحور حول آلية عمل اقتصاد السوق بجوانبه المختلفة، وهي قد لا تتفق أحياناً فيما بينها.

تاريخ الفكر الاقتصادي


على الرغم من أن النقاشات حول عمليات الإنتاج والتوزيع دارت منذ بدايات التاريخ، إلا أن الاقتصاد أخذ بالتبلور في صيغته الحالية كفرع علمي مستقل منذ أن قام آدم سميث بنشر كتابه الشهير ثروة الأمم The Wealth of Nations عام 1776. ويعرّف آدم سميث في كتابه مصطلح الاقتصاد السياسي بأنه أحد فروع علم السياسة والتشريع، ويهدف إلى أمرين أساسيين: الأول، تزويد الأفراد بكمية كافية ومستمرة من المنتجات، أو العمل على جعلهم قادرين على توفير هذه المنتجات بشكل متواصل، والثاني، تزويد الدولة أو إثراء كل من الأفراد والحكومات. وفي كتابه ثروة الأمم يشير آدم سميث إلى الاقتصاد بمصطلح (الاقتصاد السياسيPolitical Economy) إلا أن هذا المصطلح استبدل تدريجياً في الاستعمال العام بمصطلح (الاقتصاد Economics) وذلك بعد عام 1870.

النظريات السائدة

تبحث النظريات الخاصة باقتصاد السوق في طريقة أدائه وتحديد مضمونه، وتتبلور حول ثلاثة تيارات رئيسة: التيار التقليدي والنظرية الماركسية والمدرسة الحدية التي تسود حالياً على مستوى الدراسات الأكاديمية. تحاول هذه النظريات تفسير ظاهرة اقتصاد السوق، وخاصة فيما يتعلق منها بجوهر وماهية القيمة التبادلية للسلع أو ما يسمى بالسعر السائد في السوق، وإخضاع الناتج المتحقق من عملية الإنتاج إلى التبادل بقصد الحصول على ربح.

النظرية التقليدية

انشـغل رواد هذه النظريـة من أمثال وليم بيتيWilliam Petty وآدم سميث[ر] Adam Smith ودافيد ريكاردو[ر] David Ricardo بدراسة الأداء الموضوعي لاقتصاد السوق. وبموجب هذه النظرية فإن قيمة السـلعة تتحدد حسـب كمية العمل المبذولة في إنتاجها، والتي لا تتجسد عملياً إلاّ بعد إتمام عملية التبادل، وتحقيق ما يسمى بسعر السوق، الذي يخضع للتقلبات حسب الظروف المتغيرة في السوق وسلوك المشترين والبائعين، وهما قوتان متعارضتان وبالتقاء مصالحهما يتحقق سعر السوق، علماً بأن التوازن في تبادل السلع يعدّ شرطاً لازماً لاستمرار المنتجين في عملية الإنتاج وتطوير قدراتهم الإنتاجية. كما أن حدوث التغيرات لدى العرض والطلب في السوق يؤثر على سعر السلعة. وهذا السعر قد يتساوى مع قيمة السلعة أو يقل عنها أو يزيد عليها. أما الربح فيأتي مصدره من تراكم رأس المال، ويخضع أيضاً لعوامل العرض والطلب على السلع. وعندما يحقق مالك رأس المال فائضاً في الربح، فهذا يعني التوسع في عملية الإنتاج الفردي والاجتماعي.

الاقتصاد السياسي الكلاسيكي

الماركسية

اعتمد كارل ماركس Karl Marx على انتقاد الأسـس النظرية للرأسماليين التقليديين لشرح نظريته الخاصة حول مفهوم اقتصاد السوق. واستخدم أسلوب المادية ـ الجدلية لتحليل هذه الظاهرة. فهو يتفق مع أصحاب النظرية التقليدية في حسبان أن قيمة السلعة تتحدد بوقت العمل المبذول في إنتاجها. لكن هذه العلاقة ليست أبدية، فهي خاضعة للتغير مع تبدلات الشروط الاجتماعية السائدة. إن عملية التبادل لا تقتصر فقط على أعداد محددة من المنتجين وإنما تشمل نطاقاً اجتماعياً أوسع. وبالتالي تظهر عملية التبادل في السوق كعلاقة اجتماعية،عندما يدخل كل منتج بسلعته إلى السوق محدداً القيمة الفردية لمنتجاته، لكن عندما يتم التبادل بين جميع السلع وقيمها المختلفة، تسود حينئذٍ القيمة الاجتماعية التي تعّبر عن كمية العمل المبذول اجتماعياً لإنتاج هذه السلع، وهي قابلة بدورها للتبدل مع تغير شروط الإنتاج السائدة في المجتمع. لذلك انشغل ماركس كثيراً بظاهرة تركز رؤوس الأموال في أيدي قلة من المنتجين الرأسماليين، وتحكمهم بالتالي في تحديد قيمة السلع في الأسواق وكيفية توزيع الناتج الاجتماعي والأجور، حيث تمتلك طبقة القلة من أصحاب رؤوس الأموال النصيب الأكبر من الدخول بشكل أرباح، بينما تكتفي طبقة الأغلبية من قوة العمل بامتلاك النصيب الأكبر من الدخول بشكل أجور. ومن جهة أخرى فقد تؤدي شروط السوق إلى عدم قدرة بعض المنتجين على تحقيق القيمة الاجتماعية لسلعهم وتطوير وسائل إنتاجهم، وهذا ما يسهم في تعرضهم لأزمات اقتصادية أو لحالات إفلاس، وخروجهم بالتالي من عملية الإنتاج والتبادل. كل ذلك يحصل في مقابل أولئك الذين بإمكانهم تطوير وسائل إنتاجهم وتحقيق قيمة لسلعهم أقل من القيمة الاجتماعية، ويحققون بالتالي أرباحاً تساعدهم على تركيز رؤوس الأموال في أيديهم، وبلوغ الاحتكار في ظل تلقائية اقتصاد السوق.

النظرية الحديِّة

يرى أصحاب هذه النظرية من الرأسـماليين الجـدد من أمثـال فون بوم بافرك Von Böhm-Bawerk وألفرد مارشال[ر] Alfred Marcshal بان اقتصاد السوق يتمثل في علاقة اقتصادية بين الأفراد والأشياء، أي التركيز على نمط منفعة السلعة. هذه المنفعة هي التي تحدد في رأيهم قيمة السلعة. فالإنسان يبحث دائماً عن وسيلة لإشباع أقصى حاجاته مع تحقيق أقصى الأرباح. وهو يحدد قيمة شيء ما بدرجة المنفعة القصوى أو الحديِّة التي يمكنه أن يحصل عليها من هذا الشيء. أي أن قيمة السلعة تعبر عن العلاقة الذاتية بين الإنسان والسلعة. فبقدر ما تزداد حاجة الإنسان إلى سلعة ما، بقدر ما تزداد قيمتها. مما يفترض وجود سوق حر تتكون سعر السلعة فيه عند التقاء الرغبات الحديِّة للقوى المختلفة الفاعلة في السوق. وبالتالي يهدف اقتصاد السوق إلى تحقيق أقصى حد ممكن من الأرباح إذا ما أنتج كميات قابلة للتداول لتلبية الرغبات الملحة للمشترين. وعندها تتساوى قيمة السلعة مع المنفعة الحديِّة التي تقدمها في ظل المنافسة الحرة وسيادة علاقات العرض والطلب في السوق.

المبادئ المعمول بها في اقتصاد السوق

أفرزت المدارس الاقتصادية المختلفة التي سبق ذكرها أعلاه بعض الأسس والمبادئ التي تشكل بمجموعها قانوناً يرتكز إليه اقتصاد السوق. وتختلف هذه المبادئ بطبيعتها عن تلك السائدة لدى النظم الاقتصادية الأخرى كالاقتصاد الاشتراكي أو المخطط، بل وتتناقض معها غالباً. ويمكن إجمالها في أربعة مبادئ رئيسة:

الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج

يشـترط اقتصاد السوق ملكية الأفراد لوسائل الإنتاج (الأرض والآلات ومصادر الطاقة..) ويفرض العقاب على من يعتدي عليها. وباعتبار أن وسائل الإنتاج تشكل رأس المال الأساسي الذي يعتمد عليه هذا الاقتصاد، لذا منح الأفراد حق تملك هذه الوسائل والتصرف بها واستغلالها بما يتناسب مع مصالحهم الفردية، وكذلك منحوا حق الاستفادة من ثمرات هذا الاستغلال عبر تداول السلع في الأسواق والحصول على الأرباح. وهذا يعني تمكين مجموعة أفراد في المجتمع بأن تحتكر لنفسها الفائض الاقتصادي، مقابل أولئك الذين لا يملكون هذه الوسائل، وإنما يستغلون قوة عملهم مقابل أجر محدد. وقد تطورت أشكال الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج مع تطور أسلوب الإنتاج والتبادل في السوق. وبدت الصورة الغالبة تتمثل في ممارسة الحقوق المترتبة على الملكية الفردية بواسطة ملكية جماعية، يطلق عليها غالباً عبارة الشركات التجارية. وهذا ما أدى للانتقال إلى مرحلة الملكيات الكبيرة وتركز رؤوس الأموال لدى عدد محدود من أفراد المجتمع وظهور الاحتكارات الكبرى. وبالطبع، فإن اقتصاد السوق لا يفقد صفته هذه فيما إذا أخضعت الدولة الملكية الخاصة لبعض القيود المتعلقة بالأمن والصحة العامة وحماية البيئة، أو وجود بعض الملكيات العامة كمرافق الخدمات وطرق المواصلات الرئيسية، مادامت الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج هي السائدة في السوق.

حرية الإنتاج والمبادلات التجارية

يعتمد أيضاً اقتصاد السوق على مبدأ الإنتاج والتداول التلقائي أو العفوي بتأثير قوى السوق المختلفة. حيث يتولى مالك رأس المال إدارة مشروعاته وفق مصالحه الخاصة. فله الحرية وحق الخيار في تحديد طريقة الإنتاج والتداول، مادام هدفه النهائي هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح. وقد تكون فكرة اتخاذ القرارات الفردية المتعلقة باستثمار رؤوس الأموال الخاصة تتم عادة بوعي وتهدف إلى تحقيق الربح.لكن النتيجة النهائية لا يمكن ضمانها. فهي تحدث تلقائياً حسب الظروف السائدة في السوق، وتحكمها بالتالي قوانين اقتصادية موضوعية كقانون القيمة والعرض والطلب. بالمقابل، لا تملك الطبقة العاملة سوى حرية استغلال قوة عملها بقصد الحصول على الأجر، بينما يحاول المستهلكون تناول أجود السلع بأقل الأثمان، وبذلك يتحقق التوازن الذي ينشده اقتصاد السوق.

تكوين الأسعار وفق العرض والطلب

تشكل ظاهرة الثمن المحور الأساسي الذي يدور حوله اقتصاد السوق. ففي هذا المجتمع يلتقي فيه عادة البائعون والمشترون، عبر التقاء عرض السلع بالطلب عليها. بينما يمثل الثمن نقطة الالتقاء بين رواد السـوق. إن تحقيق التكافؤ بين المتناقضين: العرض والطلب، يمكّن من تنظيم التبادل في اقتصاد تحررت فيه الوحدات الإنتاجية من الخضوع للتنظيم الاجتماعي أو المخطط. وتبرز هنا ظاهرة الثمن كمقياس للقيمة التبادلية للسلع وفقاً لدرجة المنافسة التي تسود في السوق. وبقدر ما يبغي المستهلك تحقيق أكبر منفعة من جراء طلبه على السلع من السوق، بقدر ما يسعى مالك رأس المال إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح عبر تحديده للأسعار التي تتناسب مع عرض سلعته وتسويقها. لكن لا يستطيع أي من هؤلاء الانفراد في التأثير على ثمن السلعة ارتفاعاً أو انخفاضاً. ففي ظل المنافسة الحرة وظروف العرض والطلب، يتم تحديد ثمن السلعة في السوق، وبشكل مستقل تماماً عن إرادة كل منتج بمفرده. إن تحديد الأسعار يخضع لظروف موضوعية نابعة من سلوك المتعاملين في السوق، وهذه الأسعار تتناسب طردياً مع الطلب على السلع، يرتفع الثمن بارتفاعه وينخفض بانخفاضه، وعكسياً مع العرض يرتفع بانخفاضه وينخفض بارتفاعه. وبذلك تتحقق قيمة السلعة.

تحقيق الأرباح في ظل المنافسة والاحتكار

تشكل ظاهرة الربح إحدى السمات المهمة الأخرى للنشاط الاقتصادي في السوق. ويتحقق هذا الكسب المادي أو العيني في ظل المنافسة التامة وعدم وجود قيود على تحديد ثمن السلعة أو تسعير إجباري بوساطة الدولة. وبما أن الوحدة الإنتاجية تعمل أصلاً من أجل تحقيق التبادل في السوق، فإن الهدف النهائي يتمثّل في الحصول على أقصى ما يمكن من الأرباح. لذلك يحاول مالك رأس المال دائماً توسيع حجم أعماله لزيادة سيطرته على السوق. ففي ظل قانون المنافسة، يسعى أصحاب رؤوس الأموال أيضاً إلى التكتل فيما بينهم ضمن احتكارات تخفف عليهم تأثير الانعكاسات السلبية التي تسببها عادة المنافسة حيال مشروعاتهم. ويبقى الهدف النهائي من تشكيل مثل هذه الاحتكارات، مواجهة المنافسة في الأسواق، واحتكار أساليب التقنية الحديثة، والتقليل من تكاليف الإنتاج والتداول، وبالتالي زيادة الأرباح إلى أقصى الحدود.

التطبيقات المختلفة لاقتصاد السوق

انشغل المفكرون ورجال الدولة منذ وقت طويل في استخلاص القوانين الأساسية لاقتصاد السوق ومدى ملاءمتها لهذه الأيديولوجية أو تلك. وهذا ما يقتضي دراسة وتحليل المكانة التي يحتلها اقتصاد السوق لدى الأنظمة الاقتصادية المتعددة، والأساليب المختلفة التي يتم اللجوء إليها لتطبيق قوانين هذا الاقتصاد ومبادئه.

على الصعيد الوطني

تحاول الأنظمة الاقتصادية كافة الادعاء بأنها تهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق مستوى معيشي أفضل للإنسان. ولهذا انبثق، منذ القرن الخامس عشر، ما يسمى بالنظام الرأسـمالي القائم على أساس اقتصاد السوق. ثم ما لبث أن تأثر العالم بكتابات ماركس منذ نحو مئتي عام، حول مساوئ ومزايا النظام الرأسمالي. وبدأت تظهر المدارس المختلفة التي تنادي بضرورة تدخل الدولة في تنظيم النشاط الاقتصادي، وكان أهمها تلك التي تهدف إلى بناء الاقتصاد على أسس اشتراكية. ورغم اختلاف الأشكال والأطر التي تمّ من خلالها تطبيق الأنظمة الاقتصادية الاشتراكية، إلاّ أن بعضها لا يزال يعتمد بدرجات مختلفة على بعض مبادئ اقتصاد السوق. وهذا ما ينطبق أيضاً على أنظمة بعض الدول النامية التي تجمع بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي.

لدى الاقتصاد الرأسمالي

تمت ولادة الأنظمة الاقتصادية للرأسمالية ابتداءً من نهايات القرون الوسطى، عندما بدأ التجار بالبحث عن وسائل جديدة لزيادة ثرائهم. وقد أسهمت حركات الإصلاح الديني على تقديس أهمية العمل الفردي والمنافسة الحرة وتنامي رؤوس الأموال الفردية، وبالتالي زيادة الثروات الخاصة. وكان اقتصاد السوق، ولا يزال يشكل الأساس التاريخي والدعامة الحقيقية التي يستند إليها النظام الاقتصادي الرأسمالي، الذي لم يعد قاصراً على الاكتفاء بتداول وتنشيط حركة السلع التجارية، بل أصبح يشمل حالياً ومنذ قيام الثورة الصناعية[ر] في أوربا، تطوير عمليات الإنتاج والتسليف. أي سيطرة رؤوس الأموال الفردية، التجارية والصناعية والنقدية، على كافة نشاطات السوق، وفي ظل المنافسة التامة. كما يشكل السوق هنا الميدان الرئيسي لتحقيق أقصى الأرباح عبر استغلال حاجة المستهلك إلى السـلعة أو الخدمة المطلوبة. وكلما اتسعت السوق، كلما كفل ذلك مجالاً أوسع لنمو النظام الرأسمالي، والعكس صحيح.

لدى الاقتصاد الاشتراكي

يعتمد هذا الاقتصاد على مفاهيم عامة تختلف، بل وتتعارض تماماً مع تلك السائدة لدى الاقتصاد الرأسمالي القائم أساساً على نظام السوق، كسيادة الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وتدخل الدولة في توجيه وتخطيط معظم النشاطات الاقتصادية الأساسية، بما في ذلك تحديد الأسعار والأجور، بدلاً من مراعاة تقلبات العرض والطلب. لكن يلاحظ عادة ظهور أنماط اقتصادية متعددة لدى بعض البلدان، في أثناء مرحلة الانتقال إلى الاشتراكية. فإلى جانب القطاع الاشتراكي المسيطر على النشاطات الاقتصادية الرئيسة للدولة، يوجد أحياناً مجال لعمل القطاع الخاص في السوق، قد يطول أو يقصر وفق الوضع السياسي والاجتماعي لكل مجتمع على حدة. ويشمل هذا القطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمنتجين الحرفيين الذين احتفظوا بملكيتهم الخاصة لوسائل الإنتاج، إلاّ أن السلطة الاشتراكية تستطيع بوساطة اتخاذ عدة إجراءات اقتصادية الحد من اتساع مجال اقتصاد السوق، كتحقيق الرقابة الفعالة على عمل القطاع الخاص، وممارسة التأثير على الأسعار والأجور والأرباح ومنع الاحتكارات، وبشكل يكاد يصبح فيه اقتصاد السوق لدى النظام الاشتراكي، اقتصاداً مخططاً، ويفقد بالتالي إحدى أهم خصائصه، ألا وهي التلقائية في الإنتاج والتبادل.

الاقتصاد النامي:

تتميز اقتصاديات الدول النامية بانخفاض مستوى الإنتاج الفردي والدخول وتراكم رأس المال والادخارات، وتدني المستوى التنظيمي والتكنولوجي وسيطرة القطاع الزراعي والاستخراجي وضيق السوق المحلية والاعتماد على الأسواق الخارجية واختلال الميزان التجاري لصالح المستوردات. كما يلاحظ لدى معظم الدول النامية أشكال متعددة من العلاقات الاقتصادية الرأسمالية والإقطاعية والتعاونية والحكومية، وبشكل يجعل من الصعوبة بمكان تصنيفها بين عداد النظم الرأسمالية أو الاشتراكية. فإلى جانب تركز ملكية وسائل الإنتاج لدى عدد محدود من الأفراد، يتوافر أحياناً قطاع إنتاجي عام مملوك للدولة. ويتفاوت تطبيق قوانين السوق بدرجات مختلفة. ولا يساعد تدني مستوى القوى المنتجة في توسع السوق. وتبقى حالة الركود الاقتصادي إحدى السمات شبه الدائمة للأسواق لدى الدول النامية، إذ يسهم انخفاض الدخل في إضعاف الطلب على الأسـواق وعدم قدرتها على النمو بوتيرة كافية.

على الصعيد الدولي

اتجه النظام الاقتصادي الدولي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية نحو توسيع مفهوم اقتصاد السوق وتطبيقه والتحرر من ظاهرة الحمائية وتدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية. وبقي النظام الرأسمالي هو السائد في السوق العالمية رغم تنامي الأنظمة الاشتراكية. وتصدرت رؤوس الأموال الغربية، وخاصة الأميركية منها، الموقف للسيطرة على الأسواق العالمية وتنامت الصراعات بينها لاحتكار هذا السوق أو ذاك، وتضخمت ظاهرة الشركات متعددة الجنسيات[ر]، وبدأت الهيئات الدولية كمنظمة التجارة العالمية[ر] وصندوق النقد الدولي[ر] والمصرف الدولي، تفرض شروطها الإذعانية على الدول النامية بغرض فتح أسواقها وتحرير تبادلاتها التجارية، أي الدعوة إلى تطبيق نظام السوق بأجلى معانيه رغم تداعياته الصعبة على المستوى المعيشي للطبقات العاملة.

لدى منظمة التجارة العالمية

ودخل الميثاق المنشئ لهذه المنظمة حيز النفاذ بدءاً من 1/1/1995، وهي تهدف إلى إقرار مبدأ تحرير التجارة العالمية عبر تدعيم اقتصاد السوق وإزالة الحواجز التجارية، الجمركية وغير الجمركية، وإتاحة مجالات أوسع للمنافسة الدولية. وقد جاءت وريثاً شرعياً للاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة[ر] GATT التي تم إقرارها عام 1947 كرد فعل على السياسات التدخلية للدول بهدف تقييد حرية السوق. كما جرت عدة جولات تفاوضية متعددة الأطراف بين الدول، بهدف التوسع في تخفيض الرسوم الجمركية أمام عدد كبير من السلع وفتح الأسواق أمام حوالي ثلثي التجارة العالمية، وكذلك الحد من القيود غير الجمركية التي تعيق انسياب حركة التبادل التجارية. بشكل عام، تهدف الفلسفة الاقتصادية لمنظمة التجارة العالمية إلى خلق اقتصاد سوق عالمي حر، يضمن لرؤوس الأموال حرية الحركة بدون قيود، وتحقيق مبادئ المساواة وعدم التمييز في تنظيم التبادلات التجارية. وباعتبار أن الاتفاق المنشئ للمنظمة يتضمن أحكاماً ملزمة للدول الأعضاء بضرورة تعديل تشريعاتها الوطنية لتتلاءم مع نصوص الاتفاقية، فهذا يعني ضرورة تحول اقتصاديات الدول الأعضاء في المنظمة باتجاه اعتماد اقتصاد السوق. كما يتوجب على هذه الدول قبل الانضمام إلى المنظمة التوصل إلى اتفاق معها يتضمن شروط الانضمام (الفقرة 1 من المادة 12 من ميثاق المنظمة) أي يجب عليهم انتهاج سياسة اقتصادية حرة، أو بما يُعرف باقتصاد السوق.

لدى مؤسسات التمويل الدولية

يتزعم هذه المؤسسات صندوق النقد الدولي[ر] والمصرف الدولي للإنشاء والتعمير[ر]. اللذان تم تأسيسهما بموجب اتفاقيات بريتون وودز [ر] لعام 1944 بوصفهما أحدث الآليات الأساسية لتدعيم اقتصاد السوق. وكان الهدف الظاهر لهما تقديم المعونات وإعادة التوازن لميزان المدفوعات وتمويل مشروعات التنمية. لكن كل ذلك يخفي في الواقع أهدافاً جوهرية أخرى، تتمثل في إزالة العوائق أمام أداء رأس المال في السوق، وبالتالي تحرير التجارة العالمية. وقد تجلى ذلك بوضوح، بتزايد الشروط الإذعانية التي تفرضها هذه المؤسسات على الدول المقترضة، وذلك بتأثير الدول الرأسمالية الكبرى التي تسهم بالنصيب الأكبر في المدفوعات المالية لمصلحة هذه المؤسسات. وتحوم هذه الشروط عادة حول اتباع سياسات معينة للإصلاح الاقتصادي كخفض العجز في الموازنة وتحرير أسعار الصرف، أي إزالة الرقابة على النقد الأجنبي وعدم تدخل الدولة في تحديد أسعار العملة والسلع، وتسهيل الاستثمارات الوطنية والأجنبية،عبر اعتماد سياسة خصخصة المشروعات العامة أو إعادة هيكلتها، وتشجيع القطاع الخاص على النمو والمشاركة الفعالة في النشاط الاقتصادي، أي التحول التدريجي باتجاه اقتصاد السوق.

اقتصاد السوق في عصر العولمة

يتضمن مفهوم اقتصاد السوق مجموعة من المتناقضات في ظل هيمنة رأس المال على تنظيم العملية الاقتصادية والغزو الحالي للاحتكارات الرأسمالية الدولية التي تطلق العنان لقوى السوق، وكذلك تفاقم نمط توزيع الدخول بين الشرائح الاجتماعية المختلفة في المجتمع الواحد أو بين المجتمعات المتقدمة والنامية، وتنامي ظاهرة البطالة. وبذلك تزداد الهوة بين رأس المال والعمل، عبر تآكل الطبقات المتوسطة وتراجع أنظمة التأمينات الاجتماعية واتساع دائرة الفقر وانعدام المساواة في المستويات المعيشية للأفراد وسوء استخدام الموارد الإنتاجية، نتيجة توجه الاقتصاد الرأسمالي نحو إنتاج سلع غير مفيدة اجتماعياً، لكنها مربحة مادياً. فالهدف النهائي لأصحاب رؤوس الأموال الذين يسيطرون على السوق هو تحقيق الزيادة في الطلب على منتجاتهم وتسويقها بدلاً من زيادة القدرة الإنتاجية للمجتمع. وقد أدى بروز ظاهرة «العولمة» Globalization إلى تقويض الحدود السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدول، بما في ذلك تحرير المبادلات التجارية وانفتاح الأسواق على بعضها. أي إعادة التأكيد على الدور الذي يلعبه اقتصاد السوق على المستوى العالمي. وهذا ما يكرس سيطرة الشركات العالمية على السوق، والتي تتبع بغالبيتها للدول الصناعية المتقدمة. هذه الدول التي تشكل الفاعل الرئيسي في النظام الاقتصادي الدولي، اعتادت على تطبيق معايير مزدوجة، عبر مطالبة الدول النامية بتحرير تجارتها واعتماد اقتصاد السوق، بينما تتمسك من ناحيتها بسياسات الدعم والحماية وإغلاق أسواقها أمام المنافسين، وتكوين التكتلات التجارية. فهي تنادي بتحرير التجارة عندما تقتضي مصالحها التجارية الوطنية ذلك، ولكن عندما تتعارض مبادئ اقتصاد السوق مع مصالحها، فإنها تتجه نحو إقرار قيود تجارية لحماية صناعتها الوطنية. فالدول الصناعية الكبرى ليست معنية بفتح الأسواق، إلاّ لصالح صناعاتها وشـركاتها المتعددة الجنسيات. إن انفتاح الأسواق مع انعدام التكافؤ في القدرات التنافسية للدول، يؤدي حتماً إلى دعم الأقوياء وإضعاف الضعفاء. فالدول النامية تنتج غالباً مالا تستهلك، وتستهلك مالا تنتج، وفتح أسواقها في ظل هذه الظروف سيؤدي على الغالب إلى فشل التنمية الاقتصادية لديها واستمرارها في إنتاج سلع أولية مهيأة للتصدير للدول المتقدمة، بينما لا تستطيع الصناعات لدى الدول النامية مجاراة التطور التقني لدى الدول الصناعية. ومن هنا تبرز تداعيات اقتصاد السوق في عصر العولمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم الانضمام الى متابعينا في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي للتوصل بكل جديد مدونة تجميعية في مختلف المواضيع المختلفة اليومية

أحدث الاخبار التقنية

في الموقع الان

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الصفحات

تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ❤️